عدد الرسائل : 130 العمر : 35 نشاط العضو : تاريخ التسجيل : 24/12/2007
موضوع: سوريا أرض التنوع الثلاثاء يناير 08, 2008 10:11 pm
نادرة هي البلاد التي فيها ألوان من التنوع كما في الأرض السورية، فالجولة فيها نزهة عبر أنواع شتى من حضارات، ومناظر، وألوان، وأزياء، ومعالم. خطوة بعد خطوة تتتابع أمام عينيك آثار الحضارات العظيمة التي ازدهرت على ثراها تاريخ الإنسانية كله وعلى مدى عشرة آلاف عام يتلخص أمامك خلال ساعة أو بضع ساعات وفي مساحة صغيرة لا تتجاوز بضعة أمتار. يكفيك أن تكون في سوق دمشق قرب الجامع الأموي لترى بنظرة واحدة كيف يجتمع التاريخ أمام عينيك: فهذه العمارة الإسلامية الرائعة تقوم على حجارة من معبد آرامي قديم، ويحاذيها قوس روماني مرفوع على أعمدة ضخمة، وتلوح الى جانبها بقايا من زخارف بيزنطية وقباب أيوبية ومملوكية وعثمانية، وما أن يرتد نظرك الى السوق حتى تجدك مرة أخرى في الزمن الحاضر حيث تدور تحت الأقواس المعقودة والزخارف حركة البيع والشراء لآخر مبتكرات العصر الحديث. نعم انه سحر التجوال في المدن السورية الذي يأخذك إلى الأمس مرة ويردك إلى اليوم مرات فلا تملك إلا أن تستلم لهذه الرحلة الأسطورية التي تنوس بك بين الزمانين: زمان ما كان وزمان ما هو الآن. وإذا تركت المدن وانطلقت في الربوع السورية صعوداً في الجبال والتلال وهبوطاً في الوديان والمنحدرات والسهول فان سمفونية اللون والتنوع تبدأ أمامك ولا تنتهي، فهي تسحرك بتغيرها المستمر كلما أمعنت في السفر على أرضها.
هنا أيضاً ساعة واحدة في السيارة تكفي لتأخذك من حقول القمح والقطن الى كروم العنب ومزارع الزيتون، إلى واحات النخيل والرمان، إلى مروج الدفلى والأقحوان، الى بساتين المشمش والخوخ والتفاح، إلى غابات الصنوبر والزعتر البري والزيزفون الصاعدة الى ذرى الجبال البنفسجية، إلى الشاطئ حيث الرمال النظيفة الناعمة تعانق لازورد البحر وأمواجه البيضاء أميالاً بعد أميال، إلى بوادي الصحراء الذهبية التي ما أن يأتي الربيع حتى تغمرها الزهور البرية الضاحكة ذات الألوان. وحيثما أوغلت في الأرض السورية الطيبة ترى كل ما ابتدعه الإنسان عبر القرون لحرث الأرض واروائها: فهنا محاريث الزمن القديم، وهنا الجرارات الحديثة، وهنا النواعير الخشبية الضخمة التي لا تزال تدور وتدور وترفع الماء إلى الأرض العطشى منذ مئات السنين، وهنا القنوات والرشاشات، وهنا السدود المتناثرة في كل مكان لتزيد من مساحة الأرض المزروعة وتجعلها جنات وقطوفاً دانية وأثماراَ. أما أثواب أهل الريف فلا تقل إشراقاً وتنوع تطاريز عن إشراق وتطاريز الأرض التي هم فيها، فهي ألوان ورسوم وزهور وبهجة للناظرين، وتكاد تندمج بالمنظر الذي عليه يتحركون ويختلط عليك الأمر فلا تعرف أين ينتهي رداء ريفية صبية وأين يبدأ حقلها فهما صنوان في الزهر واللون والزركشات. والقرى التي تتناثر على امتداد رحلتك في ربوع سورية تتميز كل واحدة منها عن الأخرى بطابع خاص سواء كانت تنام وادعة في حضن جبل أو تشرف على واد أخضر أو تختبئ في بساتين مثمرة ظليلة. اللون المميز تراه في طراز بيوتها في أشكال سقوفها وشبابيكها في لباس أهلها وفي جلسات سمرهم وغنائهم وأصناف طعامهم وفي بقايا الآثار الباهرة التي يعيشون في أفيائها وبين حناياها.
ان هذا التنوع في الألوان والأشكال هو الذي يضيف كما الى الثوب الرائع الجمال لهذه الأرض والأصالة لشعبها المضياف الذي يتميز بلده بأنه وحدة في تنوع وتنوع في وحدة. وإذا حالفك الحظ وأتيح لك وأنت في سورية أن تشهد واحداً من مهرجانات تدمر أو بصرى الفنية التي تقام على مسرحيهما كل عام لأدركت كيف تتعانق هذه الثقافات وكيف يمتزج جمال وتناسق أعمدة وأقواس الزمن القديم بجمال وتناسق ألوان الموسيقى والغناء الآتية من أرجاء العالم شرقه وغربه. أما الشعائر الدينية فتقام في جميع مساجد وكنائس ومعابد الطوائف المختلفة في مواقيتها المعلومة، ويطلب من السواح لدى دخولهم إليها للزيارة أن يراعوا الاحتشام في ملابسهم وتصرفهم كما في سائر بلاد العالم. أما الحياة الثقافية والفنية فهي نشيطة في جميع المواسم فلا يخلو أسبوع من مؤتمرات وندوات فكرية أو معارض لفنانين محليين أو من خارج سورية تقام في الجامعات أو المتاحف أو المراكز الثقافية أو في صالات الفن الخاصة المنتشرة في جميع المدن السورية. كما أن هناك عدداً من المهرجانات الفنية والمناسبات والمعارض الدورية التي تقام كل عام. وإذا سألت عن أماكن السباحة والترفيه فتراها ممتدة على طول الشاطئ السوري المتميز بنظافة مياهه ورماله، وهناك العديد من المسابح المنتشرة في المدن ولا سيما في الفنادق الكبرى والملاعب الرياضية والضواحي القريبة.